خذ جولة عبر أنحاء العالم ، و بالمغرب فستجد مدن لها تاريخ في ميدان ما يضرب بها المثل ، مثلا في العلم ، في الثقافة ... فستجد بانجلترا عاصمة الضباب" لندن" ، وبفرنسا مدينة الأنوار "باريس" ...وهنا بالمغرب ثاني أنقى مدينة في العالم "افران " ، أو مدينة الزهور "المحمدية "... وهناك مدن معروفة بشخصية هامة لها باع طويل في ميدان ما ، أو بنشاط معين يتم مزاولته من طرف سكانها أو مرتبطة بالمنتوج المعروف داخل ترابها ، في مجالات شتى كالصناعة ، الفلاحة و السياحة ... أو أنشطة أخرى تكون أساس محرك عجلة التنمية بالمدينة أو الإقليم ككل ، و من خلالها يتم تنصيب بمركزها ، أو بشوارعها ، تمثال للشخصية أو مجسم خاص بنوع المنتوج أو النشاط ، ... لتصبح المدينة تحمل لقب حسب ميزتها وطابعها.
أما مدينة تاوريرت "الفاضلة" ، فقد حباها الله بموقع جغرافي ، جعل منها مدينة فلاحية على ضفتي واد زا ، ولكن يبقى ارتباطها أكثر بالجبل الذي ينتصب جنوبها ويطل عليها كحارس طبيعي على شكل طائر مكسور الجناحين ، أو كرقع تاريخي يسجل عليه أرشيف هذه المدينة الذي صار يدون إلا ما هو سلبي من خلال ما يدور بأسطوانة دواليب حركية وأحداث المدينة . يطلق على هذا الجبل إسم " الأربعة والأربعين ولي" صار إسمه مرتبط طوبونميا بالمدينة ، فلهذا يكون حاضرا في ثقافة عامة الناس الشفهية ، و في الفن بشتى أنواعه كالفولكلور والأ هازيج ... وفي الرسم على اللوحات ، على الحائط ... فدائما تاوريرت في أسفل المنبسط الذي يطل عليه الجبل .
ويحكى أن مجموعة من الأولية عمروا هاته الأرض واستقروا بعين المكان وكان لهم من التزهد ما أوتي من الخير والبركة ، إلى أن وافتهم المنية ، ودفنوا على مشارف الجبل على حد قول الرواة . فبيت القصيد هو أن هذا الجبل المعروف بإسم "أربعة وأربعين ولي" رغم أن حقيقة الأولياء تشوبها شائبة ، ويغطيها لبس . وكما يقال عند عامة الناس (إذا أشتد بالإنسان يوما أمر صعب وكرب ، أو خالفه سوء حظه ، فيقال له أنه تعرض لدعاء من طرف شخص قبل مامته ) فهي نفس الفرضية أطبقها على هذه المدينة ، وقد يقودني تخميني إلى أن أحد هؤلاء الأولية دعا على هذه المدينة ، وصارت بعد ذلك رمزا للبؤس ، وعنوانا للشؤم ، والقلق ...
فإلى جانب سوء التدبير والإهمال من طرف المسؤولين وغياب التنمية ، أو اقتصارها على جانب منها ، وأمور كثير متعلقة بالسياسة ... ولكن مازادها جمالا هي تفشي ظاهرة إجتماعية ألا وهي الانتحار عبر السينين الأخيرة ، لتتصدر بذلك تاوريرت المراتب الأولى وطنيا في الإنتحار ، ففي كل مرة نسمع حالة جديدة للإنتحار ، تهز على وقعها ساكنة المدينة ، كما صارت كابوس مزعج لها، الشيئ الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام في الموضوع ، وتختلف حالات الإنتحار من الشنق إلى الإرتماء أمام القطار وشرب المواد السامة ... غير أن الأسباب تختلف حسب كل شخص... ونسأل الله اللطف والعافية . أما كارثة الحرائق فمهما إختلف سببها سواء كانت بفعل فاعل أم نتيجة أخطاء تقنية ، فقد صارت هي الأخرى لعنة تعصف كل مرة بأسواق المدينة الداخلية منها ، أو بضاحية المدينة خارج المدار الحضري . فمنذ كارثة صيف 2009 المتمثلة في الحريق المهول الذي شب بالسوق (السوق المحروق) وسط المدينة ، والذي أتى على الأخضر واليابس ، فمنذ ذاك الحين توالت على أسواق المدينة سلسلة من الحرائق وكان آخرها الحريق -والثاني من نوعه - الذي شب بسوق المواشي والخضر "العشوائي" ، والذي لا تتوافق بنية بناءه و شروط السلامة ، نظرا لطبيعة بناءه بوسائل تقليدية قابلة للإحتراق بسرعة ، كالقصب والأعمدة الخشبية ، الشيئ الذي يزيد من وثيرة الاحتراق ، وزد على ذلك طبيعة السلع كالتبن و"الفصة" ... السريعة الإلتهام من طرف النيران . وقبله بأشهر كان قد اندلع حريق بسوق" مولاي علي الشريف" ، ولطفا من الله ، فإنه لم يخلف أية خسائر بشرية .
إذن أنها لمصائب و مساوئ تعد وتسجل في خانة أرشيف الأسود لمدينة الأربعة والأربعين ، و باتت تشكل نقط سوداء في تاريخها وحاضرها ومستقبلها . وجعلتها مدينة تعتلي البوديوم وطنيا لتتوج بالمراتب الأولى في الحرائق والإنتحارات ، قد توصف بمدينة (الحرائق والانتحارات) ... ويبقى السؤال العريض ، المطروح هنا : هل من تنمية مندمجة وحقيقية تحظى بها المدينة التي ، صارت تنافس مدن كبرى في التعمير ، والتوسع ... وذلك للحد من ظاهرة الإنتحار مثلا ، وخاصة في صفوف الشباب ؟ وبناء أسواق بمعايير جيدة وبتدابير وقائية من الحرائق ؟ أم سيبقى السؤال مطروحا إلى أن يعلو قمة جبل الأربعة والأربعين ، ولا يصل صداه إلى المسؤولين ؟
